الترافع أمام هيئات التحكيم-قانون

الترافع أمام هيئات التحكيم
للمستشار/محمود محمد علي صبرة
المبحث الأول
طبيعة الترافع أمام هيئات التحكيم وخصائصه
أولا- مفهوم الترافع أمام هيئات التحكيم
عند الانتهاء من تعيين هيئة التحكيم، وتحديد الإجراءات التي سيتم اتباعها، فإن أول خطوة يجب اتخاذها في كل التحكيمات الدولية عملياً هي تبادل نوع من المرافعات الكتابية written submissions بين الطرفين.
وطبقا للمادة (30) من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994، المستمدة من المادة (23) من قانون الأونسترال للتحكيم التجاري الدولي، تبدأ عملية الترافع على النحو الآتي:
1. يرسل المدعي خلال الميعاد المتفق عليه بين الطرفين أو الذى تعينه هيئة التحكيم إلى المدعي عليه وإلى كل واحد من المحكمين بيانا مكتوبا بدعواه يشتمل على اسمه وعنوانه واسم المدعي عليه وعنوانه وشرح لوقائع الدعوى وتحديد للمسائل محل النزاع وطلباته وكل أمر آخر يوجب اتفاق الطرفين ذكره في هذا البيان.
2. ويرسل المدعي عليه خلال الميعاد المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تعينه هيئة التحكيم إلى المدعى وكل واحد من المحكمين مذكرة مكتوبة بدفاعه ردا على ما جاء ببيان الدعوى، وله أن يضمن هذه المذكرة أية طلبات عارضة متصلة بموضوع النزاع أو أن يتمسك بحق ناشئ عنه بقصد الدفع بالمقاصة، وله ذلك ولو في مرحلة لاحقة من الإجراءات إذا رأت هيئة التحكيم أن الظروف تبرر الأخير.
3. يجوز لكل من الطرفين أن يرفق ببيان الدعوى أو بمذكرة الدفاع، على حسب الأحوال، صورا من الوثائق التي يستند إليها......
وعادة، يتم تبادل المرافعات الكتابية بالتعاقب، بحيث يطلق المدعي أول طلقة فيرد عليها المدعي عليه. ويقدم المدعي عليه، عادة، طلبا عارضا في الوقت نفسه رداً على مطالبة المدعي، وعادة ما يطلق علي مذكرته اسم "بيان بدفاع وطلبات عارضة" answer defence and counterclaim. ويقدم المدعي عندئذ رده على مطالبة المدعي عليه المضادة؛ وقد يُسمح له أيضا بتقديم "رد ثان rejoinder" على المذكرة بدفاع من المدعي عليه.
ولكن يجوز لهيئة التحكيم، استثنائياً، أن تصدر توجيهاً بان يقدم الطرفان المرافعات الكتابية في وقت واحد، حتى يتبادل كل طرف مرافعة كتابية بمطالباته ضد الآخر في تاريخ محدد، ومن ثم يتبادل الطرفان الردود الكتابية في تاريخ لاحق، وهلم جرا. ويحدث ذلك عادة عندما يوجد خلاف حول من يجب أن يكون المدعي، مع عدم رغبة الطرفين في أن يوضعا موضع المدعي عليه؛ وفي الواقع، يحدث هذا على الأرجح عندما تكون الحكومة طرفاً في التحكيم، وتعتبر أن كرامتها سوف تهان إذا وضعت موضع المدعي عليه.
وطبقا للمادة (33-1)، تعقد هيئة التحكيم جلسات مرافعة (شفهية) لتمكين كل من الطرفين من شرح موضوع الدعوى وعرض حججه وأدلته، ولها الاكتفاء بتقديم المذكرات والوثائق المكتوبة، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.
ثانيا- وظائف المرافعة الكتابية
ومن المهم أن نفهم وظيفة المرافعات الكتابية في التحكيم، والتي قد لا تكون متشابهة تمامًا في كل قضية. فما لم يكن الطرفان نفساهما قد قاما مسبقا بوضع اتفاق تحكيم مفصل يحدد صلاحيات محددة لهيئة التحكيم، تكون الوظيفة الفورية للتبادل الأول للمرافعات الكتابية هي تحديد الموضوعات المطلوب الفصل فيها.
وهذا، على سبيل المثال، هو الغرض الرئيس من الإجراءات المنصوص عليها في قواعد غرفة التجارة الدولية، التي بمقتضاها يجب على المدعي أن يقدم "بيان الدعوي" statement of case مع طلب التحكيم Request for Arbitration، وعلى المدعي عليه أن يقدم "دفاعه defence" مع "الرد answer" على الطلب.
ومن المهم أن تضع هيئة التحكيم تعريفا مناسباً للموضوعات التي سيتم الفصل فيها حتى تدير التحكيم بطريقة منطقية تتسم بالكفاءة. ومع تقدم سير التحكيم وظهور الأدلة، فلن يكون من غير المعتاد أن يعدل الطرفان الطريقة التي سيقدمان بها مرافعاتهما. فقد يتم التخلي عن بعض المسائل الخلافية، وقد تقدم مسائل خلافية جديدة استنادًا، مثلا، لوثائق أو أدلة قدمها الطرف الآخر. وهذا إجراء مشروع وضروري بالفعل، بشرط ألا يتم الانحراف بالموضوعات المقدمة لهيئة التحكيم بدرجة تصبح معها مختلفة تماماً في الجوهر عن تلك التي تم تحديدها عند بدء التحكيم.
وفي عمليات التحكيم التي تجريها غرفة التجارة الدولية تتمثل الخطوة القادمة (على افتراض عدم وجود طلبات عارضة) في أن تقوم هيئة التحكيم بوضع "وثيقة عمل المحكمين" terms of reference لكي يوقع عليها المحكمون والطرفان. وفي هذه المرحلة ستتم على الأرجح مناقشة أية موضوعات تتعلق بالاختصاص jurisdiction، لأن المدعي عليه سيعارض بدون شك احتواء "وثيقة عمل المحكمين" على "تحديد لموضوعات للفصل فيها" تتضمن أموراً لا يشملها اتفاق التحكيم، من وجهة نظر المدعي عليه.
ولذلك، يتبين لنا أن بيان الإدعاء التمهيدي المقدم من المدعي (والطلبات العارضة من جانب المدعي عليه، إن وجدت) تعتبر وثائق ذات أهمية كبيرة. فإذا أغفل المدعي الإشارة إلى بعض المطالبات في مرافعاته الكتابية الأولية، أو عجز عن تحديد نزاع ما بوضوح كاف، فإنه يخاطر بمواجهة دفع قوي من المدعي عليه في مرحلة لاحقة بأن هيئة التحكيم ليست مختصة بالفصل في تلك المطالبة أو المطالبات. وقد يصبح من الضروري حينئذ أن يبدأ المدعي تحكيماً جديدًا، إذا رفضت هيئة التحكيم قبول الاختصاص بالنسبة إلى مطالبة لم يحددها المدعي منذ البداية. وقد تسقط المطالبات بالتقادم في حالة عجز المدعي عن تقديمها في أي وقت قد يكون محددا لها.
وتعد الوظيفة الثانية للمرافعات الكتابية هي استعراض الوقائع وإبداء الحجج التي تدعم مواقف كل طرف. ولأداء هذه الوظيفة، يمكن للمذكرات المقدمة من الطرفين أن تتخذ عدداً لا نهائياً من الأشكال. فمن ناحية، يمكن أن تتصمن هذه المذكرات مرافعات كاملة تتصل بالجوانب القانونية، مع الاستشهاد بحجج قانونية مصحوبة بأدلة مستندية وشهادات شهود خطية يعتمد عليها الطرفان. ويستخدم هذا النوع من المرافعات الكتابية عندما يكون من المتصور أنه لن تعقد جلسات مرافعة شفوية، أو أنه ستعقد جلسات مرافعة شفوية موجزة جداً تطلب فيها هيئة التحكيم من الطرفين أن يوضحا باختصار نواح معينة من مرافعاتها، أو ان يقدما مزيداً من المعلومات.
وقد تكون الوظيفة الثالثة للمرافعات الكتابية مجرد التمهيد لجلسات المرافعة الشفهية، التي سيتم فيها إدلاء الشهود بشهاداتهم الشفهية أمام هيئة التحكيم، والترافع من قبل محاميي الطرفين. وفي هذه الحالة، تقتصر وظيفة المرافعات الكتابية على تعريف أعضاء هيئة التحكيم والطرف الآخر بشكل مناسب بالموضوعات الخلافية بين الطرفين حتي لا تحدث مفاجأت في جلسة المرافعة. وكثيراً ما يقال أنه يجب ألا تسمح هيئة التحكيم بأي نوع من "المحاكمة بطريقة الكمين trial by ambush".
ثالثا- المشكلات المتعلقة بالطلبات العارضة
يطعن المدعي أحيانًا في الاختصاص فيما يتعلق بالطلبات العارضة استنادًا إلى أن مطالبات المدعي عليه لا تقع ضمن نطاق العقد الذي يضم شرط التحكيم. وفي هذه الحالة، لا يكون أمام هيئة التحكيم من خيار سوي أن تستبعد هذه الطلبات العارضة. ولا يجوز لهيئة التحكيم أن تمارس اختصاصها على طلبات لا تقع ضمن نطاق شرط التحكيم. وينطبق الوضع ذاته على المقاصات، التي قد يعارض المدعي عليه بموجبها سداد دين تعاقدى على أساس أن المدعي تأخر في سداد دفعات تعاقدية للمدعي عليه. ولكن، إذا كانت المقاصة متصلة بالعقد نفسه الذى يحتوي على شرط التحكيم، أو بعقد له صلة قريبة كافية بالعقد الأصلي (ويغطي الشرط كل النزاعات الناشئة بموجب العقد الأساسي أو تلك "التي تتصل به")، يمكن أن يكون لهيئة التحكيم اختصاص بالنظر في الطلبات.
وتنشأ مشكلة شائعة عندما يسعي المدعي عليه لتقديم الطلبات العارضة في مرحلة متأخرة جدا. فقد يضع هذا هيئة التحكيم في صعوبة بالغة، حسب ظروف التحكيم ونوعه. ولكن إذا لم تقع الطلبات العارضة ضمن وثيقة عمل المحكم، وفي حالة عدم وجود اتفاق بين الطرفين، لا يجوز لهيئة التحكيم قبول هذه الطلبات العارضة ويكون المدعي عليه مجبرًا على أن يبدأ إجراءات تحكيم منفصلة. أما في التحكيمات الخاصة، فتعتبر المسألة بالفعل مسألة عملية تحددها هيئة التحكيم بافتراض عدم وجود اتفاق تحكيم مفصل يحدد هذه الموضوعات. ولا بد أن تقرر هيئة التحكيم ما إذا كان تقديم طلبات جديدة سيكون بمثابة إساءة استعمال لإجراءات التحكيم قد يؤدى إلى حدوث تأخير وتكبد نفقات غير ضرورية، أم إذا كانت المصلحة لحل جميع الموضوعات محل النزاع بين الطرفين في الإجراءات هي العامل الحاسم (بافتراض أن الطلبات العارضة تقع ضمن اختصاص هيئة التحكيم).
ومن الأخطاء الشائعة أيضا، عند النظر في اختصاص هيئة التحكيم في البت في الطلبات العارضة، افتراض أن الطلبات العارضة لا يمكن أن تقدم بشكل صحيح للتحكيم ما لم تتحقق اشتراطات تعاقدية معينة لتقديمها. فمثلاً، قد يستلزم نموذج عقد قياسي لمشروعات إنشاء دولية أن تقدم المطالبات أولا إلى المهندس المعماري أو المهندس المدني كي يفصل فيها، قبل تقديمها للتحكيم. ومتى نص عقد على هذا الإجراء، فمن المتعارف عليه أنه لا بد من اتباع ذلك. ولكن، (رغم أن ذلك يتوقف على ما تنص عليه بنود العقد محل البحث) فإن الإجراءات التعاقدية لا تنطبق بالضرورة على الطلبات العارضة. وكما يوحي المصطلح ضمنا، تقدم الطلبات العارضة رداً على طلب قائم. وفي إطار إجراءات التحكيم، يعد "الطلب القائم" هو الطلب الذي يحال إلى التحكيم، وحتي تتم إحالة هذا الطلب إلى التحكيم، لا يمكن أن توجد طلبات عارضة لها. وبمجرد إحالة الطلب إلى التحكيم، يجب أن يخضع الموقف القانوني لقواعد التحكيم ذات الصلة بالموضوع. وإذا كانت القواعد تسمح (كما هو الحال عادة) للمدعي عليه بأن يقدم طلبا عارضا في مواجهة طلب قائم ضده في التحكيم، فإن بوسعه أن يفعل ذلك.
رابعا- الأدلة evidence
1- قبول الأدلة
الهدف من تقديم الأدلة هو مساعدة هيئة التحكيم في الفصل في الموضوعات محل النزاع فيما يتعلق بالوقائع issues of fact. وهناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها تقديم الأدلة.
وتفحص هيئة التحكيم الأدلة وتقرر ما إذا كانت تثبت المطالبة موضوع المنازعة، من عدمه. وإذا أدلى شاهد بشهادة شفهية، يجب أن تقرر هيئة التحكيم مصداقية الشاهد استناداً إلى سلوكه وموضوعيته وكذلك استناداً إلى درجة توافق شهادته مع الأدلة الأخرى في القضية وتستخلص الهيئة استنتاجات من الأدلة المقدمة؛ وفي بعض الحالات يكون الاستخلاص من أدلة لم يتم تقديمها، ولكن يُتوقع أن يتم تقديمها. وقد تستنتج هيئة التحكيم كذلك استنتناجات سلبية من صمت أحد الطرفين أثناء مجرى العلاقة التعاقدية في ظروف يكون فيها مثل هذا الصمت متعارضاً مع الموقف الذى يتخذه ذلك الطرف في التحكيم.
ومن الضروري أن يدرك المحامون الذين يترافعون أمام هيئات التحكيم، بل وأن يتعلموا، ألا يعتمدوا على القواعد الفنية التي تتعلق بقبول الأدلة في أثناء سير إجراءات التحكيم، وبشكل خاص في جلسات المرافعة، لأن هذه القواعد تختلف، كما سنرى فيما بعد، بين نظام القانون العام ونظام القانون المدني. ويجب أن يراعي المحامي الذي ينتمي إلى بلد يطبق القانون المدني ألا تعتمد حججه على وقائع لا يمكن إثباتها إلا بتقديم أدلة قد تكون غير مقبولة من الناحية الفنية بموجب النظام المألوف لدى هيئة التحكيم.
وقد ظهر مثال مثير للاهتمام على الاتجاه المرن في سياق هيئة التحكيم التي نظرت المطالبات بين إيران والولايات المتحدة. ففي بعض ولايات اختصاص القانون المدني لا يجوز أن يكون أحد طرفي النزاع شاهداً، وهذا يشمل موظفي الشركة التي تكون طرفا في نزاع. ويبدو هذا الأمر غريبا بالنسبة للمحامين المتمرسين على نظام القانون العام، المعتادين على اختيار الأدلة الشفوية للطرفين باعتبارها جزءاً مهماً (وغالباً حاسماً) في عملية تقصي الحقائق. وقد تغلبت هيئة التحكيم على هذه الورطة عن طريق معاملة الطرفين "كممثلين" يدلون "بمعلومات"، بدلاً من اعتبارهم شهوداً يدلون بشهادات.
2- عبء الإثبات
تعتبر مسألة عبء الإثبات جانبا آخر من جوانب تقديم الأدلة. وعادة، تطلب هيئة التحكيم من كل طرف إثبات الوقائع التي اعتمد عليها لدعم حججه. وقد اعترفت قواعد تحكيم الأونسترال بهذا العُرف. وتعتبر الاستثناءات الوحيدة هى تلك التي تتعلق بامور في غاية الوضوح، أو شائعة جداً، بحيث لا يستلزم إثباتها. ولا يمكن على وجه الدقة تعريف درجة، أو مستوى الإثبات الذى يجب تحقيقه عملياً أمام هيئة تحكيم دولية، ولكن يمكن باطمئنان افتراض أنه أقرب إلى "ميزان ترجيح الاحتمالات balance of probability " (لتمييز ذلك عن مفهوم "فوق أية شكوك معقولة beyond all reasonable doubt" المطلوب، مثلا، في انجلترا لإثبات الذنب في المحاكمة الجنائية أمام هيئة محلفين).
3- أنواع الأدلة
تنبع وسائل تقديم الدلة لهيئة التحكيم حول الموضوعات الخاصة بالوقائع من تركيبة تشمل استقلال الطرفين، وتقديم هيئة التحكيم، وسيطرة المحكمة في مرحلة تنفيذ قرار التحكيم. وهناك أربع وسائل اساسية هي:
‌أ. المستندات المعاصرة؛
‌ب. شهادة الشهود على الوقائع (كتابية أو شفهية)؛
‌ج. آراء الخبراء (كتابية أو شفهية)؛
‌د. معاينة موضوع النزاع.
ويمكن أن تستخدم هذه الوسائل، منفردة أو مجتمعة بطرق عدة من الناحية العملية بغرض الاضطلاع بعبء الإثبات إرضاءاً لهيئة التحكيم. ومن المهم أن يدرك المحامي أن هيئات التحكيم تتبني اتجاهات مختلفة ليس فقط في الطريقة التي ترغب أن تقُدم بها الأدلة، ولكن أيضا في استعدادها لإعطاء وزن لدليل معين. وسنبحث فيما يأتي، كل نوع من هذه الوسائل على حدة.
أ. المستندات
1. المستندات الموجودة لدى الأطراف
يمكن تقسيم المستندات ذات الصلة بالموضوعات القائمة بين الطرفين إلى فئتين هما: المستندات التي تكون في صالح الطرف الموجودة في حيازته favorable documents، وتلك التي ليست في صالحه unfavorable documents. ولا تنشأ صعوبة فيما يخص الفئة الأولى. فالطرف المعني سوف يرغب دون شك في تقديمها لهيئة التحكيم في أسرع وقت من الناحية العملية. وتكمن المشكلة الوحيدة التي قد تظهر في السياق الصحيح للتحكيم في المسائل المتعلقة بصحة هذه المستندات، ووزنها الاستدلالي بالنسبة للفكرة التي قدمت بشأنها. وبالرغم من ذلك، ينشأ عن الفئة الثانية اختلاف فلسفي في الآراء والإجراءات المتبعة بين نظم القانون العام والقانون المدني، كما سنرى فيما بعد.
2. المستندات الموجودة لدى الغير
لا تستطيع هيئة التحكيم أن تجبر طرفا غريبا على تقديم مستندات لديه حتى إذا كانت وثيقة الصلة بالأمور موضوع النزاع. ولا تستطيع هيئة التحكيم أن تأمر أحدا، غير أطراف التحكيم، بكشف النقاب عن مستندات معينة في حوزته. ولكن، في العديد من البلدان يمكن أن يصدر أمر بحضور الغير إلى جلسات المرافعة الخاصة بالتحكيم لتقديم أدلة. وستساعد المحاكم هيئة التحكيم في إلزام الشاهد بالحضور. وعادة ما يستلزم أمر تكليف الشهود بالحضور كذلك أن يحضر الشاهد معه أية مستندات مهمة في حيازته. وفي الولايات المتحدة، ينص قانون التحكيم الفيدرالي على أنه لا يجوز لهيئة التحكيم أن تكلف شخصاً بالمثول أمامها وبإحضار أية مستندات مهمة معه. وفي بريطانيا، يمكن لأي طرف أن يستصدر أمراً من المحكمة بإبراز أوراق في حوذته subpoena duces tecum لإجبار شاهد على المثول أمام هيئة التحكيم وإحضار أية مستندات مهمة معه. ومن الناحية العملية، سوف يكون من غير المحتمل للمحاكم أن تأمر شاهداً في إجراءات تحكيم أن يحضر معه مستندات معينة، ما لم تكن حاسمة بالنسبة إلى التحقيق.
ب. شهادة الشهود
1. الشهادة الشخصية
الوسيلة الثانية لتقديم الأدلة الخاصة بالوقائع إلى هيئة التحكيم هي من خلال شهادة الشهود. وهناك وسائل عدة للقيام بهذا الإجراء، قد تكون منحازة نحو نموذج القانون العام، أو نحو الوسائل التي تتبناها البلدان التي تطبق القانون المدني. وفي معظم الأحيان يتم تبني خليط من النظامين. وعندما يحدث ذلك، فإنه يرجع من ناحية إلى الرغبة في تحقيق حل وسط بين رغبات الطرفين، أو أعضاء هيئة التحكيم، ولكنه أيضاً يرجع إلى أسباب عملية في الأساس. وسوف يكون المحفز الرئيسي لهيئة التحكيم، فيما يختص بالجوانب الإجرائية المتعلقة بأخذ شهادة الشهود، هو تقصير مدة المرحلة الشفهية من الإجراءات إلى أقصى حد عملي. ولن يتحقق هذا الهدف إذا تبنت هيئة التحكيم إجراءات تحقيقية بشكل كامل تستدعى فيها كل الشهود وتستجوبهم شفهياً في حضور الطرفين. وكذلك لن تحقق هدفها إذا استدعى كل طرف جميع شهوده أمام هيئة التحكيم وأخضعهم لاستجوابه هو أولا بشكل مطول examination-in-chief ("الاستجواب المباشر")، يليه استجواب الخصم لهم وإعادة استجوابهم ("إعادة توجيه الاستجواب") redirect.
وفي التحكيم التجاري الدولي، لا يعتبر من الضروري عموماً أن يتم الاستماع إلى الشهود شفهياً. وعندما رفعت دعوى تنفيذ قرار تحكيم أمام المحاكم الانجليزية، لم يؤخذ بالرأي القائل بأن المُحكَّم كان يجب عليه أن يستمع إلى الشهود. وقالت المحكمة إن:
"المادة (20) من قواعد غرفة التجارة الدولية تنص على أن المحكم لديه سلطة الاستماع إلى الشهود فحسب. فهي تعطيه حرية التصرف ولكن لا تفرض عليه أي التزام .. وبالفعل، فالإجراء الذى اتبعه المحكم في هذه القضية هو الإجراء المعتاد في غرفة التجارة الدولية وفي التحكيمات الأخرى في أوربا.
2. الشهادة الكتابية
من الإجراءات الشائعة نسبيا والتى أصبحت راسخة أن يقدم الطرفان شهادات كتابية من الشهود الذين يعتمدان على شهاداتهم. وفي بعض الأحيان تقدم هذه البيانات الكتابية مصحوبة بأداء اليمين في شكل إقرارات كتابية. وفي أغلب الأحيان، يوقع الشهود على البيانات فحسب. ثم بعد ذلك، يبلغ كل طرف هيئة التحكيم بأسماء شهوده وشهود الطرف الآخر الذي يجب حضورهم جلسة المرافعة بغرض استجوابهم؛ وتُبلِّغ هيئة التحكيم نفسها الأطراف بأسماء أي شهود آخرين، إن وجدوا، ترغب في الاستماع إليهم شخصياً. ومن النادر نسبيا أن تطلب هيئة التحكيم حضور أحد الشهود إذا لم يطلب أي من الطرفين حضوره.
المبحث الثاني
الفروق بين نظام القانون العام ونظام القانون المدني
فيما يتعلق بالترافع أمام هيئات التحكيم
أولا- النظام الاتهاميadversarial والنظام التحقيقي inquisitorial
ربما يكون أبرز الفروق بين نظام القانون العام ونظام القانون المدني واضحاً في الدور والمهمة اللذين يضطلع بهما القضاة في الإجراءات القضائية. ويرتبط نظام القانون العام بنظام يطلق عليه اسم "النظام الاتهامي" adversarial system، على حين يرتبط القانون المدني "بالنظام التحقيقي" inquisitorial system.
وفي "النظام الاتهامي"، يتحول دور القاضى إلى مجرد الجلوس والفصل فيما يعرض عليه من مسائل قانونية متنازع عليها بدءاً من لحظة عرض الأطراف لوقائع الدعوى حتى لحظة النطق بالحكم. ومن ثم، تعتبر نقاط الخلاف التي لا يثيرها أي من الطرفين أو الاعتراضات التي لا يبديها أو الإدعاءات التي لا يطعن فيها في حكم المتنازل عنها. وكذلك لا يتم تحريك الدعوى إلا استجابة للأطراف وبناء على طلبهم. وعلى العكس من ذلك، يتسم "النظام التحقيقي" (أو من المعتقد أنه يتسم) بتمتع القاضي بسلطة واسعة يمارسها لتوجيه أسلوب ومسار الإجراءات القضائية.
وتصنف الإجراءات التي تتبعها المحاكم في تسوية النزاعات المدنية منذ قرون تحت هذين العنوانين العامين. وفي الإجراءات الاتهامية، المستخدمة أساسًا في انجلترا والولايات المتحدة والدول الاسكندنافية، وبلدان الكومنولث التي تتألف من المستعمرات البريطانية السابقة، تعرض على القاضي روايات مختلفة للوقائع والتفسيرات القانونية. ويتاح لكلا الطرفين فرصة للرد على ما يعرضه الطرف الآخر، وعلى القاضي أن يختار بينهما في النهاية. وعلى عكس ذلك، ففي الإجراءات التحقيقية يقوم القاضي بتحقيقاته في الأمور المتعلقة بالوقائع وتلك المتعلقة بالقانون، بمساعدة الطرفين ومحامييهم.
وفي التحكيم، يسمح مبدأ حرية إرادة الطرفين لهما باختيار أي من الاتجاهين أو خليط منهما، بغض النظر عن الإجراء المتبع في محاكم الدولة المقام فيها التحكيم. وفي الواقع، ليست هناك حاجة لأن يحدد شرط التحكيم أو اتفاق التحكيم الإجراء الذي يجب اتباعه، إذ أنه بعرض النزاع على التحكيم بموجب قواعد تخول هيئة التحكيم سلطة تحديد الإجراء الذى سيتم اتباعه، يكون الطرفان بذلك قد منحا هيئة التحكيم السلطة لتتبني إما النظام الاتهامي، أو النظام التحقيقي، أو خليطا منهما، وفق ما تراه مناسبًا. فمثلا في البلدان التي تطبق القانون المدني، التي يتم فيها اتباع الإجراءات التحقيقية في المحاكم، ليس ثمة ما يستبعد حرية الطرفين في الاتفاق على اتباع الإجراءات الاتهامية.
وقد أوضحت التجارب أن الإجراءات المعمول بها في التحكيم التجاري الدولي لا تعتمد كثيراً على المكان الذى يعقد فيه التحكيم، وإنما تعتمد أكثر على خلفية وخبرة أعضاء هيئة التحكيم ومستشاري الطرفين. ومن ثم، ففي قضية "دو نورا" De Nora. كان مكان التحكيم كانتون دوفو Canton de Vaud، في سويسرا، وعقدت جلسات المرافعة في جنيف ولوزان والكويت. ولم يكن لأي من الطرفين صلة بانجلترا، وكان القانون الموضوعي المعمول به هو قانون دولة الكويت. ومع ذلك، كان المحامون الرئيسيون اللذين يمثلون الطرفين من انجلترا، وكانت الإجراءات المتفق عليها الموضحة في اتفاق التحكيم التفصيلي إجراءات اتهامية بشكل جوهري. وقد تم تبادل الدفوع الكتابية الرسمية، كما تم استدعاء الشهود والخبراء، وتم استجوابهم من قبل الطرفين، وليس من قبل هيئة التحكيم. ولم يؤثر كون أن مكان التحكيم هو "كانتون دوفو" على اختيار الإجراءات.
وبالمثل، في تحكيم آخر كان طرفا فيه جهاز حكومي، كان مكان التحكيم باريس، وعقدت جلسات المرافعات هناك وفي لبنان، ولكن الطرفين (اللذين كان يمثلهما محامون أمريكيون وانجليز على التوالي) اتفقا على اتباع إجراءات اتهامية.
ثانيا- تقديم الأدلة
في نظام القانون العام (النظام الاتهامي)، يكون زمام المبادرة لتقديم الأدلة في أيدى الطرفين بشكل كلى تقريبا. وهنا يلعب القاضي دوراً أشبه بدور المحكم من حيث تطبيق قواعد الأدلة، ومن حيث إصدار قرار في النهاية يحدد "الفائز" في المرافعة وفقاً لمنطق المبارزة. ويستمع القاضي إلى الأدلة وقد يوجه أسئلة إلى الشهود؛ ولكن، في المجمل، يترك الأمر للطرفين كي يعرضا قضيتهما ويكوّن رأيه استنادًا لما يقوله الطرفان أمامه. ومن ثم، فإن وظيفة نظام المحكمة في البلدان التي تطبق القانون العام هي، كما كانت، إيجاد حلول للنزاعات المدنية عن طريق المبارزة، وتنفيذ النتيجة النهائية.
وعلى النقيض من ذلك، ففي البلدان التي تطبق القانون المدني، يأخذ القاضى دوراً أكثر إيجابية في إدارة الإجراءات وفي تقديم الأدلة، بما في ذلك استجواب الشهود. ورغم مبدأ حياد القاضي (والذي يقصر دوره على تلقي ما يقدمه الخصوم من أدلة في الدعوى، وتقديرها وفق القيمة التي أعطاها القانون لكل دليل)، يمنح القانون للقاضي سلطة استكمال الأدلة في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، للقاضي أن يأمر بإحضار الخصم لاستجوابه (مادة 106 إثبات، قانون المرافعات المصري)، أو أن يسمع شهادة الشهود في الأحوال التي يجوز الإثبات فيها بهذه الوسيلة (مادة 70)، أو أن يحكم بندب خبير (مادة 135).
ويستتبع ذلك أن الإجراءات في البلدان التي تطبق القانون المدني لا تحتاج لتقييدها بقواعد الأدلة الفنية نفسها المعمول بها في المحاكم التي تعتمد على الأسلوب الاتهامي المتأصل في نظام القانون العام. فعلى سبيل المثال، إذا اعتبر قاض في ألمانيا أنه سيكون لمصلحته أن يستجوب شاهداً ما بشأن موضوع غير مقبول في محكمة انجليزية، فلن يكون من المتاح لأي من الطرفين أن يمنعا قبول هذه الشهادة بالاحتجاج بأية قاعدة من قواعد الأدلة.
ثالثا- الكشف عن الأدلة التي في حوذة الطرفين
يعتبر إجراء "الكشف عن الأدلة" Discovery من أبرز السمات غير المألوفة المميزة لإجراءات القانون العام مقارنة بإجراءات القانون المدنى. ويُقصد بهذا الإجراء، تلك الطريقة التي يستطيع عن طريقها أي من الطرفين الحصول على أدلة ليست في حوذته، عادة قبل انعقاد جلسة المرافعة الشفهية، وإنما في حوذة الطرف الآخر.
وفي البلدان التي تطبق نظام القانون العام، يتم تنفيذ إجراءات "الكشف عن الأدلة discovery" تلقائيا في دعاوي المحاكم، وبموجبها، يكون الطرفان ملزمين بكشف النقاب عن كل الوثائق ذات الصلة التي في حوذتهما، سواء أكانت في صالح الطرف الذي في حوذته الأدلة، أم لا. وحتى المذكرات الداخلية السرية يجب الكشف عنها (وهو شرط غير معروف في عرف القانون المدني). ولكن هذا الإجراء التلقائي لا يطبق في التحكيم. ومع ذلك، فلدى هيئة التحكيم التي تنعقد في انجلترا السلطة لتامر الطرفين بتقديم الوثائق ذات الصلة التي في حوذتهما استناداً إلى قانون التحكيم لسنة 1950. ومن الأفكار الخاظئة الشائعة أن التحكيم في انجلترا يتضمن نفس درجة الكشف التي يتضمنها التقاضي هناك. والحقيقة هي أن درجة الكشف تترك للطرفين كي يتفقا عليها. وإذا اختارا ألا يكون هناك كشف، أو أن يكون الكشف محدوداً، كان ذلك ملزماً لهيئة التحكيم. وفي انجلترا كان من الممكن سابقا أن يُقدم طلب إلى المحكمة للأمر بالكشف عن وثائق معينة، ولكن تم إلغاء ذلك في عام 1990. ومنذ ذلك الحين أصبحت مسألة نوع المستندات التي يجب أن تقدم في التحكيم مسألة تحددها هيئة التحكيم (على افتراض أن الطرفين لم يتفقا على إجراء خاص بالكشف). وتؤكد قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي على سلطة هيئة التحكيم عن طريق تضمين حكم صريح حول هذا الموضوع.
وفي الولايات المتحدة، يمنح قانون التحكيم الفيدرالي وعدد من تشريعات الولايات سلطات تقديرية واسعة لهيئة التحكيم لتشترط تقديم المستندات. والعرف السائد في أمريكا في التقاضي هو السماح "بكشف" واسع النطاق لا يتضمن المستندات فحسب بل يتضمن كذلك شهادات الشهود المحتملين. ويمكن أن يتم استجواب هؤلاء الشهود قبل عقد جلسات المرافعة الفعلية للتحقق من الأدلة التي يقدمونها. ولكن هناك فكرة خاطئة مشابهة بأن التحكيم الذي يعقد في الولايات المتحدة يخضع لإجراءات الكشف الواسعة الكاسحة المتاحة في التقاضي. والحقيقة هي أنه في الولايات المتحدة لا يوجد عموماً أي حق للكشف عن أية مستندات في التحكيمات، وتعتبر هيئة التحكيم صاحبة القرار في تحديد الحد المسموح به للكشف إذا لم يتفق الطرفان عليه. ولن تتدخل المحاكم لتوسيع نطاق أي حق للكشف تأمر به هيئة التحكيم.
ومن الناحية النظرية، يمكن أن تودع المحكمة أحد الطرفين السجن بسبب تخلفه عن الالتزام بأمر هيئة التحكيم فيما يخص تقديم مستندات. وفي الواقع، هذا لا يحدث. وبدلاً من ذلك، تدون هيئة التحكيم ملاحظة فحسب عن تخلف ذلك الطرف عن الالتزام بالأمر، وتستخلص من ذلك الاستنتاج السلبي المناسب فيما يخص الموضوع المحدد الذى تم الأمر بتقديم المستندات بشأنه.
ومن المعروف أنه يمكن أن يساء استعمال إجراءات الكشف عن الأدلة لاسيما الإجراءات الأمريكية بغرض القيام بما يسمي "رحلات الصيد" fishing expeditions؛ أي بغرض فحص ملفات الخصوم على أمل التوصل إلى أدلة أو إلى المزيد من المعلومات التي تعزز مطالبة ما قد تستند إلى مجرد افتراض. وبصفة عامة، لم تعتد الأطراف الخاضعة للقانون المدني على السماح للطرف الآخر بالإطلاع بشكل كامل على معلومات سرية في حوذتها. ولذلك فؤجئ بعض هؤلاء الأطراف في الماضي بظهور حشود من المحامين الأمريكيين يقتحمون مقر شركاتهم فجأة سعياً وراء الإطلاع على ملفات والتقاط صور وطرح الأسئلة على العاملين لديهم. وهكذا، ظلت نظم القانون المدني تعارض تنفيذ إجراءات الكشف عن الأدلة فضلا عن أن المحاكم الألمانية بصفة خاصة ظلت تحكم بأنه لا يمكن تنفيذ هذه الإجراءات إلا بمساعدة محاكم الدولة في حدود ضيقة للغاية.
وفي إجراءات التحكيم، لا يمكن بوجه عام تنفيذ إجراءات الكشف عن الأدلة على غير رغبة الطرف الآخر لسببين؛ هما: أولا، لا ترغب معظم نظم القانون العام في السماح لهيئة التحكيم بإجبار الأطراف على الكشف عن الأدلة سواء بالسلطة المخولة لها أو بمساعدة محاكم الدولة؛ ثانيا، حتى وإن صدر أمر الكشف عن الأدلة فلن يكن ممكناً بوجه عام تنفيذ هذه الإجراءات في دول القانون المدني. وبالطبع، قد تصدر هيئة التحكيم أمراً لأي من الطرفين بالالتزام بطلب الطرف الآخر بالكشف عن الأدلة ولكن لا يمكن تنفيذ هذا الأمر. ومن المسائل الأخرى التي تطرح نفسها في هذا الشأن مسألة ما إذا كان سيُسمح لهيئة التحكيم باستنتاج نتائج سلبية من رفض الطرف الآخر الالتزام بأمر الكشف عن الأدلة، أم لا.
رابعا- الأدلة الخطية المشفوعة بأداء اليمين affidavit evidence
تعتبر الشهادة الخطية المشفوعة بأداء اليمين من وسائل الإثبات التي غالباً ما تستخدم في إجراءات التحكيم المتبعة خارج نظام القانون المدني ولاسيما في قضايا التحكيم الدولي عندما يضطر الشهود إلى السفر مسافات بعيدة للمثول أمام هيئة التحكيم في جلسة الاستماع. وقد تساعد هذه الشهادة الخطية في تفادي تكاليف وجهد استدعاء الشاهد لحضور جلسة الاستماع. علاوة على ذلك، لا يكون الشهود في أغلب الحالات على استعداد للسفر بغرض المثول أمام هيئة التحكيم وإنما يكونوا على استعداد لتقديم إقرار كتابي.
ويختلف الوضع الرسمي الذي تكتسبه الشهادة الخطية كدليل في نظم القانون العام عنها في نظم القانون المدني. فعلى سبيل المثال، لا يقبل القانون الألماني (بخلاف بعض الاستثناءات لهذه القاعدة) كبديل للشهادة الشفهية تقديم تقارير خطية كأدلة. وبناءً على ذلك، لا يقر هذا القانون في التحكيم حتى مفهوم التقارير الكتابية المشفوعة بإقرار رسمي؛ بل ولا يمكن أن يحلف الشهود القسم إلا أمام محاكم الدولة بناء على طلب أحد الطرفين.
وفي مصر، تنص المادة 33-4 من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 على أن سماع الشهود والخبراء يكون بدون أداء يمين.
وفي أغلب الحالات، تقبل نظم القانون العام الشهادات الخطية وتعتبرها أدلة كاملة ما لم يطلب أي من الطرفين استجواب الشاهد. وإلى حد كبير، تتوقف قيمة الدليل على العقوبة الجنائية التي يتم تطبيقها إذا كانت الشهادة الخطية غير صحيحة.
ومرة أخرى، قد تفوق الأهمية النظرية للفرق بين المنهج المتبع في القانون العام والمنهج المتبع في القانون المدني أهميته العملية؛ لأنه تكون للمحكمين مطلق الحرية في تقييم ما يعرض عليهم من وقائع وما يقدمه الأطراف من أدلة عند التوصل إلى قرارهم. كما أن تأثرهم بالوضع الرسمي للأدلة عادة يكون أقل من تأثرهم بجوهرها.
وقد عالجت هيئة التحكيم التي نظرت المطالبات بين إيران والولايات أيضا هذه المشكلة بطريقة عملية للغاية: فقد أقرت الهيئة الشهادات الخطية كأدلة ولكنها توخت الحذر الشديد في تقييمها لاسيما إذا قدم أي من الطرفين هذه الشهادات.

خامسا- جلسة الاستماع (أو المرافعة الشفهية)
تشكل جلسة الاستماع، وهي إتاحة الفرصة لطرفي النزاع لعرض الحجج التي تعزز موقف كل منهما شفهياً على المحكمة، عنصراً أساسياً في الإجراءات القضائية المتبعة في كل من نظام القانون العام ونظام القانون المدني على حد سواء. ومن حيث المبدأ، يجب أن تنعقد جلسة الاستماع في كل قضية.
ومع ذلك، يختلف الغرض من انعقاد جلسة الاستماع وأهميتها في كل من نظام القانون العام ونظام القانون المدني اختلافاً ملحوظاً. وفي دول نظام القانون المدني، يركز قانون الإجراءات المدنية، عادة، على ما يتبادله الطرفان من أوراق الدعوى pleadings الكتابية قبل انعقاد جلسة الاستماع. وفي أغلب القضايا التجارية، تعتبر جلسة الاستماع التي تنعقد في نهاية الأمر مجرد إجراء شكلياً ما لم تدع الحاجة إلى سماع أقوال الشهود.
أما في نظام القانون العام، فرغم تقديم المذكرات briefs استعدادا لإنعقاد جلسة الاستماع إلا أنه عادة ما تكرر الأطراف معظم الحجج التي تعزز موقف كل منهما في جلسة الاستماع. ولذلك، تتوقع الأطراف من دول القانون العام أن تتيح هيئة التحكيم الفرصة كاملة لهم لسرد تفاصيل دعواهم في جلسة الاستماع حتى وإن جاء ذلك على حساب التكرار.
وينبغي أن تكون الأطراف من دول القانون المدني على دراية بهذا الفرق إذا شاركت في اتخاذ إجراءات تحكيم تتشكل فيها هيئة التحكيم من محكمين من دول القانون العام أو يسمح فيها المحكمون للطرف الآخر (من دول القانون العام) باستخدام جلسة الاستماع لهذا الغرض؛ لأنه قد تفاجأ الأطراف التي تحضر جلسة الاستماع وهي متوقعة مجرد إجراء شكلياً عندما تواجه أداء المحامين البارعين من دول القانون العام. ففي هذه الدول، يتفوق محامو القانون العام على زملائهم من دول القانون المدني من حيث الأداء عالي المستوي والتعود على الترتيب لعرض الحجج في جلسة الاستماع الشفوية؛ الأمر الذي يترتب عليه أحيانا إلحاق الضرر بالطرف الذى ينتمي لنظام القانون المدني.
سادسا- استجواب الشهود cross-examination
ثمة فروق مهمة أخرى بين نظام القانون العام ونظام القانون المدني تتمثل في أسلوب أخذ الأدلة. ومن هذه الأساليب، أسلوب استجواب الشهود.
وفي دول نظام القانون العام، يعتبر استجواب الشهود من الأساليب المثلي المتبعة في اختبار مصداقية الشاهد فضلا عن أنه يمثل عنصرا مثيرا من عناصر جلسة الاستماع معروف تماما من المسلسلات التليفزيونية الأمريكية التي لا تعد ولا تحصى.
أما في نظام القانون المدني، فمن المسموح به استجواب الشهود، لكن ذلك يقع على عاتق المحكمة في المقام الأول؛ بمعنى أنه يمكن للمحكمة أن تطرح جميع الأسئلة اللازمة لتوضيح النقاط التي سيدلى الشاهد بشهادته بشأنها. ومع ذلك، قد تسمح المحكمة للأطراف بطرح الأسئلة مباشرة على الشاهد ويجب عليها أن تسمح بذلك لمحامي الطرف المعني . ومن الناحية العملية، يمارس المحامون، غالبا، هذا الحق ولكن الحوار الذى يجري بين المحامي والشاهد لا يشبه مطلقاً إجراء استجواب الشهود المألوف في نظام القانون العام.
المبحث الثالث
التحليل الإقناعي باستخدام نموذج IRAC
يساعد نموذج IRAC القارئ في أن يتتبع بسهولة عملية تحليل معقدة تستهدف الإقناع بنتيجة معينة. وتتكون كلمة IRAC من الحروف الأولى لأربعة كلمات تمثل خطوات التحليل المنطقي الإقناعي الذي يضمن لمستخدمه الوصول إلى نتيجة صحيحة، والأهم من ذلك، إقناع القارئ (في هذه الحالة، هيئة التحكيم) بسلامة النتيجة القانونية التي تم التوصل إليها استنادا إلى سلامة الخطوات التي تم اتباعها.
وفيما يأتي المعنى الذي يشير إليه كل حرف من هذه الحروف:
I تحديد المسألة محل الخلاف
R تحديد القاعدة القانونية التي تتعلق بالمسألة محل الخلاف. وتتم هذه العملية من خطوتين؛ الأولى، تحديد القاعدة، والثانية، شرحها.
A تطبيق القاعدة القانونية على الوقائع محل النزاع، بما في ذلك التحليل المعاكس.
C النتيجة التي يتم التوصل إليها
عرض عملي لاستخدام نموذج IRAC.
نشرت في مقالات

شارك
    تعليقات بلوجر
    تعليقات الفيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق